المخالفون لـأهل السنة في عدم الاكتفاء بتصديق القلب هم الجهمية والأشعرية.
أما جهم فلم يشترط التصديق وإنما اشترط المعرفة؛ فمن عرف الله بقلبه أنه حق فهو مؤمن كامل الإيمان؛ يدخل الجنة، وقد عارض الأشعرية قول الجهم كما فعل أبو المعالي في الإرشاد، واشترطوا التصديق، وجعلوا من لم يأت بالشهادتين عاصياً كما نص على ذلك الغزالي في الإحياء.
وقد رد عليهم أهل السنة بأدلة أثبتوا بها أن الإقرار بالقلب لا يدخل صاحبه في الإيمان.
وقول الجهمية والأشاعرة يلزم منه إيمان أبي جهل، فقد قال أبو جهل : كنا وبني قصي كفرسي رهان: سقوا وسقينا، وأطعموا وأطعمنا، وكلما عملوا شيئاً من بطولات الجاهلية ومآثرها عملنا، فلما قالوا: منا نبي؛ فمن أين نأتيهم بنبي؟
بل إن كفار قريش كلهم كانوا مصدقين ومقرين بقلوبهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مرسل، فكانوا يعتقدون صدق نبوته، ولكنهم رفضوا اتباعه والانقياد لما جاء به، قال تعالى: ((فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ))[الأنعام:33] أي: لا يعتقدون كذبك بقلوبهم، ولكنهم كذبوه حقيقة وواقعاً بدليل قوله تعالى: (( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ))[فاطر:4]، فهم قد امتنعوا عن قبول الحق والانصياع، قال تعالى: ((وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ))[الأنعام:33].
والجحود له أسباب أتى ببعضها أبو جهل، وفيها: الحسد والغيرة والمنافسة والكبر وغير ذلك.
ويخبر الله تعالى عن فرعون وقومه: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا))[النمل:14] وقال له موسى: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ))[الإسراء:102] فليس هناك حجة أقوى من هذه الحجة، فلا حاجة أن يدعي فرعون أنه على الحق، وأن موسى على الضلال، أو أنه مصلح وموسى مفسد، فإن هذه دعاوى باطلة؛ فإنه في نفسه يعلم أن موسى على الحق المبين ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ))[النمل:14].
وأما أبو طالب فأمره عجيب وغريب، فإنه لم يكن عنده مثقال ذرة من شك في أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق؛ دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحمل الأذى من أجله، بل حوصر معه ومع أصحابه في الشعب؛ حتى أكلوا أوراق الشجر كما قال سعد رضي الله عنه: [[حتى كان أحدنا يضع كما تضع الشاة]]، فكان أبو طالب وهو معهم يتحمل كل ذلك؛ وهو القائل في شعره:
ولقد علمت بأن دين محمد            من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة            لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
لكنه كان يخشى أن يقول عنه الناس: ترك ملة عبد المطلب؟! فمنعه التعاظم والتفاخر بالآباء والأجداد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على هداية عمه أبي طالب، فقال الله له: ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))[القصص:56]، فـأبو طالب لا يعد مسلماً بأي وجه من الوجوه، وفي هذا دليل على أن قول القلب وإقراره، واعتقاده صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي للحكم على صاحبه بالإيمان، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وفرعون وإن كان على يقين بنبوة موسى وصدقه إلا أنه جحد، وابن عربي من الصوفية ألف رسالة في إيمان فرعون والعياذ بالله.
وفي حديث حذيفة : {آخر الزمان يدرس وشي الإسلام كما يدرس الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا نسك، ويبقى الرجل الكبير أو المرأة العجوز يقولون: لا إله إلا الله، يقول الراوي صلة بن أشيم التابعي: وما تغني عنهم (لا إله إلا الله)؟ قال حذيفة : تنجيهم من النار}، ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286].